صبيحة السبت
2/1/2010
دمشق القديمة
أغرسُ نفسي ياسمينة في قلب فناء بيت " روز " الدمشقي العتيق الذي أقطنه
هذا الصباح..
أُصافح كل شيء حولي بسلام..
شجرة النانرنج.. بحرة الدار.. شجرة الميلاد.. الكراسي الخشبيه العتيقه..
صوت فيروز.. ديوان نزار .. مشربيات البيتالزهور الحمراء التي تشي بحضور نزق في كل الزوايا
بيت " روز " هو بيت دمشقي عتيق بني في القرن الثامن عشر ويقع في دمشق القديمة عند باب توما , ذلك الحي المسيحيّ المُطرز بتراتيل راهباتها وقديسيها, والذي يتزين هذه الفترة بأشجار الميلاد المضيئة وهدايا " بابا نويل ".
ما يميز بيت روز هو احتفاظه بالشكل التقليدي العتيق للبيت الدمشقي الأصيل .. البحرة التي تتوسط الدار وتهبك ماؤها العذب.. شجرة النانرنج التي تقف على استحياء في زاويه البيت تهبك من ثمارها الصفراء الحامضة الممزوجه بشيء من مذاق المر " توازن طبيعي غريب ينبأ بطبيعه الحياة التي تحمل مذاقاات متناقضة في آنٍ واحد " . تستشعر في غرف البيت بحميميه لا تقاوم, ودفء لم أذقه في أي مكان من ذي قبل, فالنقوش التي تزين أسقفها .. واللوحات التي تعتلي جدرانها.. والرائحة التي تصطبغ بها تخلق فيها سحراً غريباً .. حتى حماماتها التي تمزج بين الطراز العثماني القديم والشامي العتيق .
بيت روز هو بيت صغير لسيدة دمشقيّه أصيلة تُدعى " روز مقصود ", وقد كانت معروفه جداً في دمشق القديمة لذا سُمي البيت على أسمها بعد موتها وتحويله الى فندق يقصده عشاق الزهر والجمال من العالم أجمع .
المثير في البيت أن روح روز مازالت حاضرة في المكان, تعبق بها الزوايا والجدران, ووجهها لايزال مستودع في ذاكرة المكان .
فقد رأيتها بإحدى الصور التي ترصع المكان, وهي تبدو بوجها الجميل ذو الملامح الدقيقه القريبه إلى ملامح النساء الفرنسيات .. الأنف الأرنبي الدقيق .. والثغر الناعم الحلو.. والعيون الممتلأة كبرياءً وغرورا ..
أينما يممت شطر وجهي في بيتها رأيتها فيه .. هناك تحت الشجرة أراها وهي تقطف ثمار النارنج لتحضر بيديها مربى شهيه طبيعيه.. في مجلس الدار أشتم رائحة القهوة التركيه التي ترتشفها وهي تثرثر مع " نسوان الحارّه " .. على الدرج أراها منكبة على قطعه قماش ناعم تُحيكه بعنايه لولادة حفيدها الأول..
المثير في البيت أن روح روز مازالت حاضرة في المكان, تعبق بها الزوايا والجدران, ووجهها لايزال مستودع في ذاكرة المكان .
فقد رأيتها بإحدى الصور التي ترصع المكان, وهي تبدو بوجها الجميل ذو الملامح الدقيقه القريبه إلى ملامح النساء الفرنسيات .. الأنف الأرنبي الدقيق .. والثغر الناعم الحلو.. والعيون الممتلأة كبرياءً وغرورا ..
أينما يممت شطر وجهي في بيتها رأيتها فيه .. هناك تحت الشجرة أراها وهي تقطف ثمار النارنج لتحضر بيديها مربى شهيه طبيعيه.. في مجلس الدار أشتم رائحة القهوة التركيه التي ترتشفها وهي تثرثر مع " نسوان الحارّه " .. على الدرج أراها منكبة على قطعه قماش ناعم تُحيكه بعنايه لولادة حفيدها الأول..
روز تمتثل أمامي في كل بقعه .. في كل زاويه وتمنحني جمالاً دمشقياً أصيلاً, يحتفظُ بخصوصيه الثقافة الشرقيه التي نشأ في رحمها .
تخيلوا معي هذا الصرح العذري وقد امتدت إليه أيادي العولمة ودشنت فيه مظاهر العصر الحديث ماذا سيكون عليه ؟
بتُ أوقن يوماً بعد يوم, بأن كل ثقافة يجب أن لا تتماهى مع ثقافة أخرى, يجب أن تعيش بملامحها الطفوليه ولا تشيخ أبداً, يجب ان تبقى مُحتفظة بنكتها الأصليه دون توابل دخيلة لا تتوافق مع طبيعتها .
قد تستغربون فكرتي هذه , ولكن ماأراه وأحسه وأشمه يُبرهن لي أصالة ذلك, فأنا هنا لا أعارض فكرة " التعارف والإندماج " مع الثقافات والحضارات الآخرى, وإنما أستنكر فكرة " الإنسلاخ " من الثقافة الأصيلة والذوبان والإنصهار بثقافة أخرى هجينة . كل ثقافة تحتاج أن تحمل هويّه تُميزها عن غيرها, كل ثقافة يجب أن تحتفظ بجعبتها الحضاريه النفيسه ولا تُفرط بجواهرها أبدا . فمقدار أصالة أي حضارة إنسانيه يتوقف على مقدار احتفاظها بثقافتها الأصيلة .
يأتيني النادل الشامي , يقول لي بمنتهى الذوق والكرم الدمشقي ..
- يسعد صباحكِ صبيّه, شو بدّك تشربي ؟
أمتلأ بإحساس جميل, وأجيبه قائله ..
- بدّي أهوة مرّه
" فلا حاجة للسكر في مكانٍ كهذا رسولاً للجمال.
ههه ..
أتعلمون ماذا ؟
أرى ملامح روز مرتسمة على وجه فنجان قهوتي المره!
أُردد بيني وبين نفسي قائلة:
روز لن تموت ..
روز لن تموت ..
روز لن تموت ..
أخيراً أقول لمن كان يُثرثر معي في هذا الصباح الدمشقي:
ليست هناك لغة عظيمة بلا حُبٍ عظيم, فكن حبيبي حتى أستحق مجد الكتابة, فلا مجد لكاتبٍ لا يعشق !
-نزار-
شهرزاد
دمشق القديمة- 2010

هناك 4 تعليقات:
لا قيمة للسياحة إذا لم يعش السائح الأجواء الأصلية للبلد الذي يزوره.. لذلك أحرص على زيارة الأحياء العتيقة والشعبية في كل بلد أزوره لأستنشق رائحة التاريخ الزكية من بين ثنياها..
فكرة فندق روز جميلة جدا.. لن أسكن في سواه إن زرت دمشق
::::::::
بمجرد قراءتي هذه التدوينة الرائعة تذكرت قصيدة نزار " مذكرات عاشق دمشقي"
فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا***
فيا دمشـقُ... لماذا نبـدأ العتبـا؟
.
.
يالها من قصيدة
شكرا على الأجواء الجميلة التي نقلتينا لها ..
تحياتي
أوافقك تماماً ولكن للأسف قوم بني يعرب لم يتوصلوا لتلك المعادلة بعد
ففي هذه الأحياء العربيه الجميلة تجد الغربيين فقط هم من يستمتعوا به أيما استمتاع .
أنصحك كذلك بفندق بيت زمان أكبر وأجمل من بيت روز حيث أقمنا فيه ليلتين .
ولكن بيت روز أكثر حميميّه ;)
على ذكر نزار ...
عندما تزور دمشق القديمة ستجد أبيات نزار منقوشه على أحد الجدران بذكر دمشق :)
غريب ان تكون شهرزاد الكويتية في نفس الفندق وبنفس الليلة التي كان فيها شهرياركويتي،، مع جارية امريكية لانه كما يقول((وللأسف فإن أغلب من يستمتعون بالهوى الدمشقي هم الأجانب ))،،،
http://28q8.wordpress.com/2009/12/31/%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D8%AD-%D8%A3%D9%85%D9%88%D9%8A-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84/
ولا يلتقيان،،،!!
كل عام وانت بخير
أجواء جميلة حدثني عنها زوجك الكريم
إرسال تعليق